الفوائد المصطفاة ** بمذاهب العلماء في حكم تارك الصلاة
تأليف : أبي عبد الله محمد بن
محمد المصطفى الأنصاري
المدينة النبوية ،
مكتبة المسجد النبوي
قسم الإفتاء والإرشاد ، والبحث والترجمة
gs
1427 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : ( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموت والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) ( ) .
قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ( سورة النساء: آية 1) ، وقال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً
(سورة الأحزاب:آيتا 70 -71) .
قال الحسن البصري رحمه الله: ( رأس مال المسلم دينه فلا يخلفه في الرحال ولا يأتمن عليه الرجال ) ( ) .
وقال سهل بن عبد الله :النجاة في ثلاثة :
1 - أكل الحلال ، 2-أداء الفرائض ،
3- الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ) ( ).
وقال الزهري رحمه الله
من الله الرسالة ، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم البلاغ ، وعلينا التسليم ) ( ) .
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله : اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين ( 4 ) .
قال ابن عمر رضي الله عنه لرجل سأله عن العلم : فقال ( إن العلم كثير ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس ، خميص البطن من أموالهم ،كاف اللسان عن أعراضهم ، لازماً لجماعتهم ، فافعل ) ( 5) .
فالواجب على المسلم اتباع الكتاب والسنة ، والبحث عن وسائل النجاة ، أسأل الله عز وجل النجاة في الدنيا والآخرة ، وأن يعز الإسلام والمسلمين وأن يذل الشرك والمشركين . وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم إنه على كل شيء قدير .
وبعد فإن الصلاة هي عماد الدين ، والركن الثاني من أركانه بعد الشهادتين ،
والمحافظة عليها من مكفرات الذنوب ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا يبقى من درنه شيء قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا ( ) .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات ( 2) . وهي الصلة التي بين العبد وربه فقد ثبت عن النبي e أنه قال " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر ( ) "
وبتلك المناسبة وهي المكانة العظيمة التي للصلاة في الإسلام أردت أن ألخص مذاهب العلماء في حكم تارك الصلاة سواء جحوداً أو تكاسلاً ، وأقوال العلماء في حكم قضاء الصلاة على من تركها متعمداً .
وأما حكم تارك الصلاة ففيه مسألتين :
المسألة الأولى حكم من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها ،
الثانية : حكم من ترك الصلاة تكاسلاً ، وهل يقتل بعد استتابته كفراً أم حداً في المسألتين .
أما المسألة الأولى فقد أجمع العلماء على أن من جحد وجوب الصلاة أنه كافر كفر مخرج من الملة ، وأنه يقتل إن لم يتب ،
قال ابن عبد البر : أجمع المسلمون على أن جاحد فرض الصلاة كافر يقتل إن لم يتب من كفره ذلك ( ).
وقال ابن قدامة : تارك الصلاة لا يخلو إما أن يكون جاحداً لوجوبها أو غير جاحد فإن كان جاحداً لوجوبها نظر فيه فإن كان جاهلاً به وهو ممن يجهل ذلك كالحديث الإسلام والناشئ ببادية عرف وجوبها وعلم ذلك ولم يحكم بكفره لأنه معذور فإن لم يكن ممن يجهل ذلك كالناشئ من المسلمين في الأمصار والقرى لم يعذر ولم يقبل منه ادعاء الجهل وحكم بكفره لأن أدلة الوجوب ظاهرة في الكتاب والسنة والمسلمون يفعلونها على الدوام
فلا يخفى وجوبها على من هذا حاله ولا يجحدها إلا تكذيباً لله تعالى ولرسوله وإجماع الأمة وهذا يصير مرتداً عن الإسلام وحكمه حكم سائر المرتدين في الاستتابة والقتل ولا أعلم في هذا خلافاً ( ).
وقال الشوكاني : ولا خلاف بين المسلمين في كفر من ترك الصلاة منكراً لوجوبها إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو لم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة " ( ) .
وأما المسألة الثانية : حكم من ترك الصلاة تكاسلاً ، وهل يقتل بعد استتابته كفراً أم حداً ؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : يقتل بعد استتابته كفراً لا حداً وهو مروى عن عمر بن الخطاب ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وجابر ، وأبي الدرداء ، وبه قال الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، والحكم بن عتيبة ، وأيوب السختياني ، وعبد الله بن المبارك ، والشعبي ، والأوزاعي ، وحماد بن زيد ، ومحمد بن الحسن ، وإسحاق بن راهويه ، وهو المشهور عن أحمد ( ) ، ورواية عن الشافعي ( )، وقول ابن حبيب من المالكية ( ) قال ابن عبد البر : وبهذا قال أبو داود الطيالسي وأبو خيثمة زهير بن حرب وأبو بكر بن أبي شيبة قال إسحاق هو رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا ( ).
القول الثاني: أنه يقتل بعد استتابته حداً لا كفراً وهو قول حماد بن زيد ، ووكيع بن الجراح ( ) ، وهو مذهب مالك ( ) ، والمشهور عن الشافعي( )، قال النووي : وهو قول الأكثرون من السلف والخلف ( ) ،ورواية عن أحمد اختارها أبو عبد الله ابن بطة وابن قدامة المقدسي والمجد ابن تيمية وابن عبدوس( ) ، والزهري ، وداود إلا أنهما قالا يسجن ويضرب حتى يصلي ( )، وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة والمزني أنه يعزر ويحبس حتى يصلي( ) ،
استدل أصحاب القول الأول بما يأتي:
الدليل الأول: قال الله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ( ).
وجه الدلالة:
فلا يخلو أن يكون كل واحد من هذه الخصال هو الذي سلكهم في سقر، وجعلهم من المجرمين، أو مجموعها فإن كان كل واحدة منها مستقلاً بذلك فالدلالة ظاهرة، وإن كان مجموع الأمور الأربعة فهذا إنما هو لتغليظ كفرهم وعقوبتهم، وإلاَّ فكل واحدة منها مقتضٍ للعقوبة، إذ لا يجوز أن يضم ما لا تأثير له في العقوبة إلى ما هو مستقل بها( ).
الدليل الثاني:
قال الله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا ً( ) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً( ).
وجه الدلالة:
أن الله تعالى توعد من أضاع الصلاة بالغي وهو : واد في جهنم قاله ابن عباس وقيل: أنه نهر في جهنم قاله ابن مسعود وقيل: العذاب قاله مجاهد ، ثم أن الله تعالى استثنى من تاب وآمن وعمل صالحاً، فلو كان مضيع الصلاة مؤمناً لم يشترط في توبته الإيمان وأنه يكون تحصيل حاصل( ).
الدليل الثالث:
عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"( ).
الدليل الرابع:
عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"( ).