* عدم قول التحيات كاملة في التشهد الأوسط
بعض المصلين يقتصرون في التشهد الأوسط عند الشهادتين ثم يقومون .
والصواب – والله أعلم –الإتيان بالتحيات كاملة ، وذلك لعموم قول النبي - لأصحابه لما قالوا له: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلى عليك ؟ فقال لهم: " قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد …الخ متفق عليه، ففي هذا الحديث لم يفرق النبي بين التشهد الأول والتشهد الثاني وعليه فيجوز الصلاة على النبي في التشهد الأول ، وهو نص الإمام الشافعي في " الأم " (1/102) فقال: " والتشهد في الأول والثانية لفظ واحد لا يختلف، ومعنى قولي: " التشهد " التشهد والصلاة على النبي لا يجزيه أحدهما عن الآخر.
وهو أيضاً اختيار ابن دقيق العيد كما في " التلخيص الحبير" ( 1/263) وهو الوزير بن هبيرة الحنبلى في " الإفصاح " كما نقله ابن رجب في " ذيل الطبقات " (1/280) وأقره.
قلت: وأما استعاذة النبي من عذاب القبر وعذاب النار وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ، فهذه الكلمات تقال بعد الفراغ من التشهد الأخير، لما ثبت في صحيح مسلم (1303) عن أبى هريرة قال: قال رسول الله : " إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر المسيح الدجال " ويجوز الزيادة على هذه الأدعية ، لما رواه احمد (1/459) وابن خزيمة (708) بسند حسن عن أبى مسعود قال: علمني رسول الله التشهد في وسط الصلاة وفى آخرها ، فكان يقول إذا جلس في وسط الصلاة وفى آخرها على وركه اليسرى: " التحيات لله ، الصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " قال: ثم إن كان في وسط الصلاة نهض حين يفرغ من تشهده وإن كان في آخرها دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو ثم سلم ".
وأما قول ابن القيم – رحمه الله -: كان يخفف هذا التشهد جداً حتى كأنه على الرضف – وهى الحجارة المحماة – ولم ينقل عنه في حديث قط أنه صلى عليه وعلى آله في هذا التشهد(1) .
فهو يشير بذلك إلى حديث ابن مسعود قال: كان النبي إذا جلس في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف " وهو حديث ضعيف قال الحافظ في" التلخيص " (1/163) رواه الشافعي واحمد والأربعة والحاكم من رواية أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ، وهو منقطع لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. أهـ. وقال النووي في " المجموع " رواه أبو داود والترمذى والنسائي وقال الترمذى: هو حديث حسن ، وليس كما قال لأن أبا عبيدة لم يسمع أباه ، ولم يدركه باتفاقهم ، وهو حديث منقطع. أهـ
وقال الألباني: لا دليل تقوم به الحجة يصلح لتقييد العمومات والمطلقات المشار إليها بالتشهد الأول ، فهي على عمومها ، وأقوى ما استدل به المخالفون حديث ابن مسعود… وهو غير صحيح لانقطاعه وقد استوفى ابن القيم – رحمه الله – أدلة الفريقين، وبين ما لها وما عليها في " جلاء الإفهام من الصلاة على خير الأنام " فراجعه يظهر لك صواب ما رجحناه.
ثم وقفت على ما ينفى مطلق قول ابن القيم: " لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم وعلى آله في التشهد الأول ، وهو قول عائشة رضى الله عنها في صفة صلاته في الليل : " كنا نعد لرسول الله سواكه وطهوره ، فيبعثه الله فيما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ، ثم يصلى تسع ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة ، فيدعو ربه ويصلى على نبيه ، ثم ينهض ولا يسلم ، ثم يصلى التاسعة ، فيقعد ثم يحمد ربه ويصلى على نبيه ويدعو ، ثم يسلم تسليماً يسمعنا. الحديث. أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " (2/324) وهو في " صحيح مسلم " (2/170) لكنه لم يسق لفظه. ففيه دلالة صريحة على أنه صلى على ذاته في التشهد الأول كما صلى في التشهد الآخر وهذه فائدة عزيزة فاستفدها وعض عليها بالنواجذ. ولا يقال : إن هذا في صلاة الليل ، لأننا نقول: الأصل أن ما شرع في صلاة شرع في غيرها دون تفريق بين فريضة أو نافلة ، فمن ادعى الفرق فعليه الدليل. أهـ " تمام المنة " (ص224-225) .