وهو بحرٌ لا ساحل له . وهو البحر الذي يركبه مفاليس العالم ، كما قيل : إن المنى رأس أموال المفاليس . فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة ، والخيالات الباطلة ، تتلاعب براكبه كما تتلاعب الكلاب بالجيفة ، وهي بضاعة كل نفس مهينة خسيسة سفلية . ليست لها همّة تنال بها الحقائق الخارجية . بل اعتاضت عنها بالأمانيّ الذهبية . وكلٌّ بحسب حاله : من متمن للقدرة والسلطان ، وللضرب فى الأرض والتطواف في البلدان ، أو للأموال والأثمان ، أو للنسوان والمردان ، فيمثل المتمني صورة مطلوبة في نفسه وقد فاز بوصولها ، والتَذَّ بالظفر بها ، فبينا هو على هذه الحال ، إذا استيقظ ، فإذا يده والحصير !!
وصاحب الهمة العلية أمانيه حائمة حول العلم والإيمان ، والعمل الذي يقربه إلى الله ، ويدنيه من جواره .
فأماني هذا إيمان ونور وحكمة وأماني أولئك خِدَعٌ وغرور .
وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم متمنيَ الخير ، وربما جعل أجره في بعض الأشياء كأجر فاعله . كالقائل : لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان الذي يتقي في ماله ربه ويصل فيه رحمه ويخرج منه حقه وقال : هما في الأجر سواء وتمنى صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : أنه لو كان تمتع وحل ولم يسق الهدي وكان قد قرن فأعطاه الله ثواب القران بفعله وثواب التمتع الذي تمناه بأمنيته فجمع له بين الأجرين .