أ- عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
هـذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتمنى كل مؤمن أن يكون له بعض عمله يقول: وهو في مرض موته عن سابقته في الإسلام وعمله الصالح كله "وددت أن هذا كفافاً لا لي ولا عَلَيَّ"
فقد روى الإمام البخاري بإسناده إلى المسور بن مخرمة قال: لما طعن عمر جعل يألم، فقال له ابن عبـاس، وكأنه يُجَزِّعُه: يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسنت صحبته، ثم فارقت وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم فارقت وهو عنك راض، ثم صحبت صَحَبَتُهم فأحسنت صُحْبَتَهم، ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهـم عنك راضون. قال: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه، إن ذلك مَنٌّ منًّ الله تعالى علي، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذلك مَنٌّ من الله جل ذكره عَلَيَّ وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك ومن أجل أصحابك، والله لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه"
وفي رواية أخرى قال: [وددت أن ذلك كفافاً لا عليّ ولا لي] (رواه البخاري)
وفي رواية: [لو أن بغلة عثرت بالعراق لسئل عنها عمر بين يدي الله عز وجل]
فهل يغتر مؤمن بعمله بعد أن يرى هذا من عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فإذا كان عمـر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أسلم مبكراً، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وصحبة ساعة مع رسول الله لا يعدلها عمل ممن يأتي بعده، وكان وزير النبي صلى الله عليه وسلم ومستشاره، ولم يمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى بشره بالجنة مراراً وتكراراً، ثم كان خير صاحب لأبي بكر الصديق، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان خير وزير ومستشار ومعين له، ثم تولى أمر المسلمين "فاستحالت في يده غرباً"... "حتى ضرب الناس بعطن".
ففتحت في عهده الفتوح،ودخلت الأمم في دين الله أفواجاً: الفرس والروم، وشعوب بلاد الشام، ومصر، وغطى الإسلام الأرض كلها أو كاد... ونقل إلى المدينة النبوية كنوز كسرى وقيصر، ومع ذلك مات عمر يوم مات شهيداً حميداً مديناً بستة وثمانين ألف دينار!! قام ابنه عبدالله رضي الله عنه بتسديدها عنه بعد أن جمعها من مال آل الخطاب.
ومع كل هذه الفضائل والمناقب قال عند موته: "أرجو أن يكون هذا كفافاً لا لي ولا علي... والله لو أن بغلة عثرت بالعراق لسئل عنها عمر بين يدي الله عز وجل، والله لو كان طلاع الأرض ذهبـاً لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه". أي لو كنت أملك مثل جبال الأرض ذهباً لافتديت به الآن مما أحاذر من عذاب الله، فإذا كان عمر رضي الله عنه يخشى من عذاب الله على هذا النحو، وهو من هو رضي الله عنه، فما الظن بأمثالنا ممن لا تحصى ذنوبهم ولا قدم لهم في الإسلام.
ب- عمرو بن العاص رضي الله عنه يبكي -خوفاً من الله- وهو على فراش الموت:
ورأيت أن عمرو بن العاص يبكي وهو على فراش الموت خائفاً من لقاء الله فقد روى الإمام مسلم بإسناده إلى أن ابن شماسة المهري قال: "حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت فبكى طويلاً وحول وجهه إلى الجـدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ قال: فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعد شهادة أن ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
إني قد كنت على أطباق ثلاث:
لقد رأيتني وما أحد أشد بغضاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحب إلي أن أكون قد استمكَنْتُ منه فقتلته، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار.
فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك. فبسط يمينه. قال: فقبضت يدي. قال: [مالك يا عمرو] قال: قلت: أردت أن اشترط. قال: [تشترط بماذا؟] قلت: أن يغفـر لي، قال: [أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله]. وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلـم ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة.
ثم حدثت أمور لا أدري ما حالي فيها.. فإذا دفنتموني فَشُنُّوا علي التراب شنّاً، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزورٌ، ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي.
ج- أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تجعل نفسها من قسم الظالم لنفسه:
وتقول عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن قوله تعالى {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم نفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} أي بني هؤلاء في الجنة، أما السابق بالخيرات فمن بقى على عهد رسـول الله، وشهد له الرسول بالجنة، وأما المقتصد فمن اتبع أثره من أصحابه حتى لحق بهم، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلكم!!. (رواه الطيالسي)
د- الجميع يبكي ذنبه ويذكر خطيئته:
ولقد رأيت الجميع يبكي ذنبه، ويذكر خطيئته، ولا يرى لنفسه فضلاً، ولا لعمله الصالح ذكراً ويقول أحدهم: "لو أعلم أن لي عملاً واحداً متقبلاً لتمنيت الموت!!"
ولما رأيت ذلك، ورأيت الطريق الطويل إلى الجنة، ووجدت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [ما من حكـم يحكم بين الناس إلا حبس يوم القيامة وملك آخذ بقفاه حتى يقفه على جهنم، ثم يرفع رأسه إلى الله عز وجل، فإن قال الخطأ ألقاه في جهنم يهوي أربعين خريفاً]. (رواه أحمد)
وفي كل يوم لنا أحكام وأحكام؟!
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله واصحابها اجمعين