إلى اللذة الحاضرة من غير فكر في العاقبة ويحث على نيل الشهوات عاجلا وإن كانت سببا لأعظم الآلام عاجلا وآجلا فللدنيا عاقبة قبل عاقبة الآخرة والهوى يعمي صاحبه من ملاحظتها والمروءة والدين والعقل ينهى عن لذة تعقب ألما وشهوة تورث ندما فكل منها يقول للنفس إذا أرادت ذلك لا تفعلي والطاعة لمن غلب ألا ترى أن الطفل يؤثر ما يهوى وإن أداه إلى التلف لضعف ناهي العقل عنده ومن لا دين له يؤثر ما يهواه وإن أداه إلى هلاكه في الآخرة لضعف ناهي الدين ومن لا مروءة له يؤثر ما يهواه وإن ثلم مروءته أو عدمها لضعف ناهي المروءة فأين هذا من قول الشافعي رحمه الله تعالى لو علمت أن الماء البارد يثلم مروءتي لما شربته
ولما امتحن المكلف بالهوى من بين سائر البهائم وكان كل وقت تحدث عليه حوادث جعل فيه حاكمان حاكم العقل وحاكم الدين وأمر أن يرفع حوادث الهوى دائما إلى هذين الحاكمين وأن ينقاد لحكمهما وينبغي أن يتمرن على دفع الهوى المأمون العواقب ليتمرن بذلك على ترك ما تؤذي عواقبه وليعلم اللبيب أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذون بها وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها لأنها قد صارت عندهم بمنزلة العيش الذي لا بد لهم منه ولهذا ترى مدمن الخمر والجماع لا يلتذ به عشر معشار التذاذ من يفعله نادرا في الأحيان غير أن العادة مقتضية ذلك فيلقي نفسه في المهالك لنيل ما تطالبه به العادة ولو زال عنه رين الهوى لعلم أنه قد شقي من حيث قدر السعادة واغتم من حيث ظن الفرح وألم من حيث أراد اللذة فهو كالطائر المخدوع