إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
إن أولى الناس التزاماً بهذه الأخلاق وقياماً بها هم حملة القرآن قدوتهم في ذلك ومثلهم الأعلى هو الحافظ الأول لكتاب الله رسول رب العالمين محمد صلى الله عليه وسلم الذي قالت بحقه السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عنه كان خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم القرآن ) رواه مسلم
من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم:
1- صدق الرسول:من أهم صفات الرسول أن يكون صادقاً، ذلك أن الرسول مؤتمن على تبليغ رسالة الله تعالى للناس فلا يصح أن يكون من يختاره الله لهذه المنزلة ممن عرف بالكذب وتخلق به لأن الناس لن يؤمنوا به ولن يصدقوه وقد عرف الرسول صلى الله عليه وسلم بالصدق منذ صغره واشتهر به فى قومه حتى لقب بالصادق الأمين
وقد شهد الله عز وجل لرسوله بالصدق فقال تعالى : { ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً } "الأحزاب"
وكذلك شهد للرسول بالصدق أصحابه فهذا أبو بكر رضي الله عنه لماجاءه المشركون يخبرونه بخبر الإسراء والمعراج قال : ( إن كان قال ذلك فقد صدق إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء يأتيه في غدوة أو روحة )
وأكثر من ذلك شهادة أعدائه له بالصدق فقد روى الترمذي عن علي رضي الله عنه أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك ، ولكن نكذب بما جئت به
2- أمانة الرسول : الصدق والأمانة صفتان اشتهر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية قبل البعثة وهما صفتان لازمتان للرسول الذي يرسله الله لتبليغ الناس ودعوتهم إلى دين الله فالرسول لا بد أن يكون صادقاً فيما ينقله أميناً فيه لا ينقص منه ولا يزيد عليه وقد هيأ توفر هاتان الصفتان في الرسول صلى الله عليه وسلم تقبل الأشخاص العاقلين لدعوته ومسارعتهم إلى الإيمان به لما علموه من صدق الرسول وأمانته صلى الله عليه وسلم
3- صبر الرسول : لا بد لمن يحمل رسالة في الحياة ويسعى إلى تحقيقها أن يوطن نفسه على تحمل المشاق وتفادي الصعوبات والعوائق التي ستواجهه في مسيرته ذلك أن الوصول إلى المعالي لا بد له من بذل الجهد والمشقة
إن المستعرض لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يرى كم عانى الرسول صلى الله عليه وسلم من مشاق وآلام وأحزان وهو يمضي في تأدية ما كلفه الله به من تبليغ رسالته إلى الناس أجمعين مستعيناً بالله صابراً على بلواه حتى يأتي فرج الله
ولا بأس أن نقف على بعض المشاهد التي تجلى فيها صبر الرسول صلى الله عليه وسلم في أبهى صورة: قال إبن إسحاق : (كان النفر تاذين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته أبو لهب والحكم بن أبي العاص بن أمية وعقبة بن أبي معيط وعدي بن حمراء الثقفي وابن الأصداء الهذلي وكانوا جيرانه لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاص فكان أحدهم يطرح عليه صلى الله عليه وسلم رحم الشاة وهو يصلي وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له حتى اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجراً ليستتر به منهم إذا صلى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرحوا عليه هذا الأذى يخرج به على العود فيقف به على بابه ثم يقول : يا بني عبد مناف أي جوار هذا ؟؟! ثم يلقيه في الطريق )
ولما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ليدعوا أهلها إلى دين الإسلام كان ردهم أن قالوا له : ( اخرج من بلادنا )
ومن الصور التي تجلى فيها صبر النبي صلى الله عليه وسلم وشدة بأسه ما جرى له في غزوة أحد لما خالف الرماة ماأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من المكوث على رأس الجبل وعدم النزول إلى ساحة المعركة مهما كانت النتيجة لكنهم خالفوا أمره حين رأوا أن المعركة مالت لصالح المسلمين فتركوا مواقعهم لجمع الغنائم وحينها أحاط جيش المشركين بالمسلمين وأعملوا فيهم القتل والجرح وأصيب النبي صلى الله عليه وسلم فشج رأسه وكسرت رباعيته ووقع في الحفرة التي حفرها أحد المشركين وأشيع عنه أنه قتل وغير ذلك
-عفو الرسول: أخلاق الرسول هي قدوة لنا كي نتمثلها فى حياتنا فالله تعالى يقول :{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } "الأحزاب" ومن هذه الأخلاق التي نتعلمها من رسول الله خلق العفو فقد وجه الله سبحانه وتعالى رسوله ودعاه إلى التمسك بالعفو في مثل قوله تعالى :{خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} "الأعراف"
وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله ماانتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله "رواه البخاري"
وكان صلى الله عليه وسلم أبعد الناس غضباً وأسرعهم رضاً، وللرسول صلى الله عليه وسلم مواقف مشهودة في العفو أشهرها عفوه عن أهل مكة بعد أن من الله عليه بفتحها وذلك بعد أن أذاقوه الأمرين وعانى صلى الله عليه وسلم منهم الصد والرد والأذى وحتى أنهم حاولوا قتله ليلة الهجرة لكن الله نجاه منهم ومن يقرأ سيرة المصطفى عليه السلام يعرف كم لحق بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين من أذى قريش وبعد ذلك عندما يصبح الرسول صلى الله عليه وسلم في موقف القوي القادر عليهم يسألهم ( ما تظنون أني فاعل بكم ؟ فيجيبونه قائلين : أخ كريم وابن أخ كريم فيقول لهم صلى الله عليه وسلم فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته : لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء) "أخرجه البيهقي"
5- تواضع الرسول لقد ربى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على التواضع وأدبه عليه لأن التواضع خصلة محمودة تقرب المرء من الناس وتجعله محبباً إليهم
يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم :{ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ الفلب لانفضوا من حولك}
ومما جاء في وصف النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لايدع أحداً يمشي خلفه وكان لا يترفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا ملبس ويخدم من خدمه ولم يقل لخادمه أف قط ولم على فعل شيء أو تركه وكان يحب المساكين ويجالسهم ويشهد جنائزهم ولا يحقر فقيراً لفقره )
وكان صلى الله عليه وسلم أشد الناس تواضعاً وأبعدهم عن الكبر يمنع عن القيام له كما يقومون للملوك وكان يعود المساكين ويجالس الفقراء ويجيب دعوة العبد ويجلس في أصحابه كأحدهم وقد قالت عنه السيدة عائشة رضي الله عنها ( كان يخصف نعله ، ويخيط ثوبه ، ويعمل بيده كما يعمل أحدكم في بيته ، وكان بشراً من البشر يفلي ثوبه ، ويحلب شاته ، ويخدم نفسه)
6- شجاعة الرسول: كان الرسول صلى الله عليه وسلم من الشجاعة والنجدة والبأس بالمكان الذي لا يجهل وكان أشجع الناس حضر المواقف الصعبة وفر عنه الكماة والأبطال غير مرة وهو ثابت لا يبرح ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح فالمؤمن لا يخاف إلا الله وحده ومتى كان الإنسان مع الله كان الله معه
وللنبي صلى الله عليه وسلم مواقف كثيرة تشهد بشجاعته وربلطة جأشه وثقته المطلقة بالله وتأييده فقد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه قائلاً: (أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع، قال : كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بشجرة ، فأخذ سيف نبي الله صلى الله عليه وسلم فاخترطه فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أتخافني؟ قال : لا قال : فمن يمنعك مني ؟ قال : الله يمنعني منك ، قال : فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغمد السيف وعلقه ) متفق عليه
أما في الغزوات والمعارك فقد وصفه علي رضي الله فقال: ( كنا إذا حمي البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه) " رواه أحمد"
وفي غزوة حنين لما فاجأ المشركون المسلمين بالكمائن التي أعدوها لهم تفرق المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولوا الأدبار ، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد انحاز جهة اليمين وهو يقول : ( هلموا إلي أيها الناس، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله ) ، ولم يبق معه في موقعه إلا عدد قليل من المهاجرين وأهل بيته ، وحينئذ ظهرت شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم التي لا نظير لها ، فقد طفق يركز بغلته قبل الكفار وهو يقول : ( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب )" رواه البخاري"
7-حياء الرسول: روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كان النبي أشد حياء من العذراء في خدرها "رواه البخاري ومسلم"
ومما يروى عن حياء النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فأطال الجلوس ، فخرج النبي ثلاث مرات ليخرج فلم يفعل ، فدخل عمر فرأى الكراهية في وجهه ، فقال للرجل لعلك آذيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لقد قمت ثلاثاً لكي يتبعني فلم يفعل ) ، فأنزل الله عز وجل في ذلك قرآناً يتلى أرشد الله فيه المؤمنين أن لا يكونوا متثاقلين على الناس وتحدث فبه الله عز وجل عن حياء النبي صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه :{ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فاتتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق} "الأحزاب"
8- عدل الرسول: لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم عادلاً في كل أموره حتى ولو كان على حساب نفسه وهو نبي الله الكريم فمرة كان صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر يسوي صفوف المسلمين من أجل الإستعداد للقاء المشركبن في هذه الغزوة وبينما هو كذلك إذ مر بأحد الصحابة واسمه سواد بن غزية وكان خارجاً عن صفه وكان بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيب يسوي به الصفوف فأصاب به بطن سواد كي يستوي في صفه وقال له استو يا سواد فقال يا رسول الله أوجعتني ، وقد بعثك الله بالحق والعدل ، فأقدني أي اجعلني اقتص لنفسي منك فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقال : استقد ، فاعتنقه سواد وقبل بطنه ، فقال : ما حملك على هذا يا سواد؟ قال يا رسول الله قد حضر ما ترى ، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك ، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير) "رواه البيهقي وأبو داوود"
وعن عائشة رضي الله عنها قالت إن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ، فقالوا من يكلم فيها رسول الله ؟ فقيل لهم : ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله فأتى بها رسول الله فكلمه فيها أسامة بن زيد فتلون وجه النبي وقال أتشفع في حد من حدود الله ؟ فقال له أسامة : استغفر لي يا رسول الله فلما كان العشاء قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) "رواه البخاري ومسلم