زيد بن ثابت
بداية جمع القرآن
بعد وفاة الرسول محمد شغل المسلمون بحروب الردة، وفي معركة اليمامة كان عدد الشهداء من حفظة القرآن كبيرا، فما أن هدأت نار الفتنة حتى فزع عمر بن الخطاب إلى الخليفة أبو بكر الصديق راغبا في أن يجمع القرآن قبل أن يدرك الموت والشهادة بقية القراء والحفاظ... واستخار الخليفة ربه، وشاور صحبه ثم دعا زيد بن ثابت وقال له: (إنك شاب عاقل لا نتهمك)... وأمره أن يبدأ جمع القرآن مستعينا بذوي الخبرة.
ونهض زيد بالمهمة وأبلى بلاء عظيما فيها، يقابل ويعارض ويتحرى حتى جمع القرآن مرتبا منسقا... وقال زيد في عظم المسئولية: (والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه، لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن)... كما قال: (فكنتُ أتبع القرآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف والعُسُب وصدور الرجال)... وأنجز المهمة وجمع القرآن في أكثر من مصحف.
[عدل] المرحلة الثانية في جمع القرآن
في خلافة عثمان بن عفان كان الإسلام يستقبل كل يوم أناس جدد عليه، مما أصبح جليا ما يمكن أن يفضي إليه تعدد المصاحف من خطر حين بدأت الألسنة تختلف على القرآن حتى بين الصحابة الأقدمين والأولين، فقرر عثمان والصحابة وعلى رأسهم حذيفة بن اليمان ضرورة توحيد المصحف، فقال عثمان: (مَنْ أكتب الناس ؟)... قالوا: (كاتب رسول الله زيد بن ثابت)... قال: (فأي الناس أعربُ ؟)... قالوا: (سعيد بن العاص)... وكان سعيد بن العاص أشبه لهجة برسول الاسلام، فقال عثمان: (فليُملِ سعيد وليكتب زيدٌ).
واستنجدوا بزيـد بن ثابت، فجمع زيد أصحابه وأعوانه وجاءوا بالمصاحف من بيت حفصة بنت عمر وباشروا مهمتهم الجليلة، وكانوا دوما يجعلون كلمة زيد هي الحجة والفيصل.
فضله
تألقت شخصية زيد وتبوأ في المجتمع مكانا عاليا، وصار موضع احترام المسلمين وتوقيرهم... فقد ذهب زيد ليركب، فأمسك ابن عباس بالركاب، فقال له زيد: (تنح يا بن عم رسول الله)... فأجابه ابن عباس : (لا، فهكذا نصنع بعلمائنا)... كما قال (ثابت بن عبيد) عن زيد بن ثابت: (ما رأيت رجلا أفكه في بيته، ولا أوقر في مجلسه من زيد).
وكان عمر بن الخطاب يستخلفه إذا حجّ على المدينة، وزيد هو الذي تولى قسمة الغنائم يوم اليرموك، وهو أحد أصحاب الفَتْوى الستة: عمر وعلي وابن مسعود وأبيّ وأبو موسى وزيد بن ثابت، فما كان عمر ولا عثمان يقدّمان على زيد أحداً في القضاء والفتوى والفرائض والقراءة، وقد استعمله عمر على القضاء وفرض له رزقاً.
قال ابن سيرين: (غلب زيد بن ثابت الناس بخصلتين، بالقرآن والفرائض).